الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله:-
فلقد
أمر الله عباده المؤمنين بالتثبت والتبيين في نقل الإخبار,وعدم التسرع في
الجزم بصحتها ثم بناء الأحكام عليها بمجرد سماعها ذلك لان تلك الإخبار قد
تكون باطلة من أصلها أو قد يكون فيها ما هو باطل وقد تكون حقاً.
قال تعالى (( يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ))-الحجرات-6-
ويزداد التثبت والتبين في أمر الناقل اذا كان المنقول عنه يتعلق خبره بمصلحة عامة أو مضرة لشريحة من الناس.
ويبلغ التثبت والتبين غايته في أمر ناقل الخبر اذا كان المنقول عنه هو الرسول صلى الله عليه وسلم فبره يتعلق بالناس جميعا .
فهو
عليه الصلاة والسلام المبلغ عن ربه وهو الذي تعبدنا الله تعالى بإتباعه
ولذا كان الكذب على الرسول عليه الصلاة والسلام يختلف عن الكذب على غيره
من الناس وقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم ((من كذب علي فليتبوأ مقعده من
النار)).وهو حديث صحيح.
ومع
هذا الوعيد الشديد فقد تسربت بل راجت كثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة
فنشأ من جراء ذلك ضرر في تقبّل الناس لها و روايتهم لها حتى رسخ في قلوب
كثير منهم التسليم بصحتها.
ومما
يزيد الضرر في انتشار هذه الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة انها قد تحدث
للناس عبادات ما انزل الله بها من سلطان فيترتب من جراء ذلك ان ينشأ أقوام
على تلك العبادات المخالفة للسنة وفي المقابل تهجر السنن الصحيحة وقد يبلغ
الضرر ذروته اذا كانت تلك الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة تتضمن في متونها
نقضا لبعض الأمور المعتقدة والديانة بتلك الأحاديث وحينئذ تحارب السنة
الصحيحة من باب التقرب والديانة بتلك الأحاديث.
ومع
كثرة تلك الاحاديث وانتشارها فقد قيّض الله تعالى للسنة حراسا- جعلنا الله
وإياكم منهم- يذبون عنها الدخيل ويكشفون عوراه ويبنون فساده.
ولقد
كان المحدثين -على أمواتهم وإحيائهم رحمة الله- السبق في ذلك بل هم فرسان
الميدان وحاملوا ألويته .. شمروا عن سواعدهم و دافعوا عن حياض السنة منعوا
كل دخيل وكشفوا عورته.
قال قتيبه رحمه الله:-
( ولم يزالوا في التنقير عنها والبحث لها حتى عرفوا صحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها وعرفوا من خالفها الى الرأي)
وقال ابن خزيمة رحمه الله:-
(ما دام أبو حامد الشرقي في الأحياء فلا يتهأ لاحد ان يكذب على الرسول الله صلى الله عليه وسلم)
وقال الدار قطني رحمه الله :-
( يا أهل بغداد لا تظنوا ان احد يقدر يكدب على رسول الله وأنا حي)
وفي هذه الرسالة تساق بعض الاحاديث التي اشتهرت وانتشرت في كثير من الكتب وتداولتها الألسن مع عدم الثبوت.
الحديث(1):-
مايروى من القول ((لو اعتقد أحدكم بحجر لنفع))
قال ابن القيم رحمه الله:- هو من كلام عباد الأصنام الذين يحسنون ظنهم بالأحجار.
وقال ابن حجر لا أصل له.
الحديث (2):-
((من حج ولم يزرني فقد جفاني))
سُئل
ابن تيميه رحمه الله:-فأجاب بان هذا الحديث كذب. ثم قال : فإن من جفاء
النبي باتفاق المسلمين ولم يثبت عنه حديث في زيارة قبره بل هذا الاحاديث
التي تروي كمثل ((من زارني وزار أبي في عام واحد ضمن له الجنة)) و أمثال
ذلك كذب باتفاق العلماء.
الحديث (5):-
(( لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد))
وهو
دارج على السنة كثير من الناس وهو حديث ضعيف جدا ويغني عنه قوله عليه
الصلاة والسلام(( من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر)) أخرجه
ابن ماجه وابن حبان والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما .
الحديث(7):-
و مما شاع عند الناس ان الرسول رأى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال(( لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه)).
وهو حديث موضوع كما نص أهل العلم .
وقد
روي من قول ابن المسيب رحمه الله ولا يصح أيضا وبكل حال يغني عنه قوله
تعالى((قد افلح المؤمنون(1) الذين هم في صلاتهم خاشعون)) المؤمنون 1/2
الحديث(11):-
ومما درج قولهم (( الساكت على الحق شيطان اخرس )) وليس هذا حديث ولكنه من قول بعض الزهاد.
وقد ذكره ابن عماد الحنبلي في كتابه (شذرات الذهب) من قول ابن علي الدقاق.
ويغني
عن هذا ما تكاثرت به النصوص من تحريم كتم الشهادة كقوله تعالى((ومن يكتمها
فإنه آثم قلبه)) وكذا ما جاء من وجوب الأمر بالمعروف قولاً أو فعلاً لمن
قدر عليه وانه من لم يفعل ذلك فهو على خطر عظيم.
***********
وبكل حال فعلى المسلم ان يتثبت فيما ينقله آحاد المسلمين لان ذلك من الأمانة في النقل .
فكيف بمقام النبي عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم لا شك ان المقام اولي وأحرى في التثبت والتبين.
اللهم ارزقنا العلم النافع والعمل الصالح .وصلى اللهم وسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آل وصحبه أجمعين.
لفضيلة الشيخ/ عبد العزيز بن محمد السدحان